دعونا نتأمل اليوم احبائي في لقاء الرب يسوع مع نيقوديموس، لأن هذا اللقاء محوري وهام في طبيعة الحياة المسيحية ونوعية التلاميذ الذين يريد الرب يسوع أن يشكلهم.
نقرأ عن هذا اللقاء في يو 3: 1 – 35، وهو لقاء طويل وغني ولكن سنقف عن بعض الأفكار فيه التي تساعدنا على النمو في حياتنا الروحية. واريد أن اؤكد لكم منذ البداية أن نيقوديموس، للأسف، بدأ حواره مع المسيح في الليل، ثم انصرف في الليل. رغم غنى ما أعلنه المسيح لنيقوديموس، إلا إنه لم يؤمن بالرب يسوع، بعكس يوسف الرامي الذي كان ذو شأن عظيم مثل نيقوديموس في مجلس السنهدرين اليهودي، واختار أن يتبع المسيح (كما في يو 19: 38).
كان نيقوديموس قائد يهودي كبير ومعلم، يعرف جيدًا قواعد الناموس وعاش أغلب حياته يدرس العهد القديم ويعرف الكلمة عن قرب شديد. ولكن لماذا جاء نيقوديموس للمسيح في الليل؟ يبدو أنه كان خائفًا من قادة اليهود لئلا يظنوا أنه اصبح تابعًا للرب يسوع المسيح. لهذا جاء ليلاً وبدأ حواره مع المسيح ليلاً. دار حوار الرب يسوع مع نيقوديموس حول طبيعة الإنسان الذي يحب الله ويعيش له بصدق، وكيف يمكن أن ينال الإنسان هذه الحياة الجديدة. يعلن الرب يسوع لنيقوديموس أن هذه الحياة لا ينالها الإنسان إلا حينما يُولد من فوق. والكلمة الآرامية التي تقف خلف المصطلحات التي يستخدمها يوحنا هنا يُمكن أن تفهم على أنها «من فوق» أو «ثانيةً». لهذا ظن نيقوديموس أن المسيح يتكلم عن ولادة «ثانية» ولهذا سأله كيف يدخل الإنسان بطن أمه من جديد. ولكن الرب يسوع يتكلم عن ولادة «من فوق».
احبائي، في اماكن عديدة يصنف البشير يوحنا كل البشر إلى نوعين فقط: ابناء النور وابناء الظلمة، الذين من هذا العالم والذين من العالم الروحي، الذين هم بحسب الجسد والذين هم بحسب الروح، الذين مولودون من هذا العالم والذين هم مولودون من فوق. بالنسبة ليوحنا، لا يوجد خيار ثالث، فالإنسان ينتمي لأحد هذه الثنائيات بالضرورة. والذين ينتمون للعالم، ابناء الظلمة، لا يستطيعون أن يفهموا الأمور الروحية، ولا يقدرونها، لأنها بالنسبة لهم امور لا يمكن تصديقها كما يقول المسيح لنيقوديموس: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُ لَكُمُ الأَرْضِيَّاتِ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ إِنْ قُلْتُ لَكُمُ السَّمَاوِيَّاتِ؟» (يو 3: 12).
لهذا كان محور حوار الرب يسوع مع نيقوديموس هى أنه لكي يفهم ويدرك ما يقوله الرب يسوع كان عليه أن يحدد لأي نوع من البشر سينتمي؟ مشكلة البشرية كما يعلنها الرب يسوع في حواره مع نيقوديموس هى أنهم قد رأوا النور، قد عرفوا وفهموا أن الرب يسوع هو إبن الله الآتي للعالم، ولكن مع ذلك، أحب الناس الظلمة أكثر من النور (يو 3: 19). وبالتالي، لا يستطيع من يحب الشر أن ينتمي للمسيح. فالإنسان إما ينتمي لهذا أو ذاك. لكن من يحب الحق ليس لديه مشكلة في أن يتم تسليط الضوء عليه لأنه ليس لديه ما يخجل منه.
احبائي، إن السؤال الذي طرحه الرب يسوع على نيقوديموس ببساطة هو: إلى أي مملكة تنتمي؟ وإلى هدف تقرر أن تكمل بقية حياتك؟ وهذا السؤال يطرحه علينا اليوم الرب يسوع إذ يقول لنا: لمن ننتمي حقًا؟ ولمن نعيش حياتنا اليوم فعلاً؟
ادعوكم اليوم احبائي أن نعيش للمسيح، وأن تشهد اعمالنا عن الملك الذي نتبعه فعلاً، وأن نطيع وصاياه في كل جوانب حياتنا. ادعوكم اليوم احبائي أن نعيش في النور كل يوم، حتى يرى الناس أعمالنا الحسنة فيمجدوا ابانا الذي في السماوات...