نتأمل اليوم احبائي في لقاء الرب يسوع مع المرأة السامرية، وهو لقاء غني ومليء بالتعليم لنا الذي إن إستطعنا أن ندركه قادر أن يغيّر حياتنا بشكل ثوري.
نقرأ عن لقاء المسيح مع السامرية في يو 4: 1 – 28. مرة أخرى، لا تعرف المرأة السامرية هوية المسيح، ولا تفهمه، ولكنها تتجه نحو البئر لتملأ جرار المياة خاصتها. ولكي ندرك مدى أهمية هذا اللقاء، نحتاج أن نفهم بعض الخلفيات عن العلاقة بين اليهود والسامريين. فالعداوة بين اليهود والسامريين كانت مستقرة في ذلك الزمان، إذ كانت قد تجاوزت القرون (منذ ايام العداوة بين المملكة الشمالية اسرائيل والمملكة الجنوبية يهوذا). وكان اليهود يتجنبون المرور من خلال السامرة في ترحلاهم كما يخبرنا المؤرخ يوسيفوس وغيره إذ كانوا يفضلون السير من ناحية شرق الأردن بدلاً من غربه تجاه السامرة.
لكن الرب يسوع يقرر من البداية المرور بطريق السامرة، متجاوزًا بذلك كافة الحدود الإجتماعية والسياسية والدينية التي تشكل حواجز بين الناس. لكن اعمق ما في قصة المرأة السامرية هو الاعلان الذي يحدث للمرأة عن هوية الرب يسوع المسيح. فحينما يطلب الرب يسوع منها الماء ليشرب، تتعجب المرأة إذ كيف ليهودي أن يخالط امرأة سامرية (وهو امر منبوذ في العالم اليهودي الشرقي). في الحال، يعلن لها الرب يسوع انها لا تدرك من الذي تتحدث إليه بالفعل: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّ» (يو 4: 10). بكلمات أخرى، هى لا تعرف ولا تدرك هوية الرب يسوع حقًا.
قرر الرب يسوع أن يعلن لهذه المرأة عن نفسه بطريقة فريدة من نوعها، إذ كلمها عن حياتها الشخصية. وهنا أريد أن اتوقف معكم للحظات احبائي: فالعلاقة مع الرب يسوع لابد أن تغيّر من شكل حياتك الشخصية. اعلن الرب يسوع للمرأة السامرية أنها كان لها خمسة ازواج، والشخص الذي تعيش معه الآن ليس زوجها (يو 4: 18). هذا الاعلان النبوي حيّر المرأة السامرية كما أنه حيّر المفسرين لوقت طويل. هل كانت المرأة السامرية تبحث عن الزواج من شخص إلى شخص؟ هل كانت عطشانة للحب لهذه الدرجة؟ من ناحية أخرى، يرى البعض الآخر أن المرأة تم استغلالها من قِبل هؤلاء الرجال، وتم التلاعب بها.
لكن ما اود التركيز عليه هو أن دلالة الرقم 6 في الكتاب المقدس هى دلالة عدم الكمال، فللمرأة ستة رجال، ولكنها لم تكن كاملة. كانت تحتاج إلى عريس النفس الحقيقي لتصبح امرأة كاملة مشفية من الداخل قبل الخارج. وفي الحقيقة، لم يكن المسيح عريسًا لنفس المرأة السامرية فقط، بل هو عريس لجماعة السامريين ايضًا الذين تمثلهم المرأة السامرية.
ببساطة: كان المسيح يتجاوز كل الحدود لكي يقدم رسالة الخلاص للسامريين والذين سيذهب لهم تلميذه فيلبس ليقدم لهم رسالة الإنجيل لاحقًا كما يخبرنا سفر أعمال الرسل عن الرحلة الكرازية للسامريين (أع 8).
وحين حانت اللحظة أعلن المسيح عن نفسه للمرأة السامرية. قالت المرأة: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ» فقال لها الرب يسوع: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».
عند هذه اللحظة تركت المرأة جرتها وتركت كل شيء وذهبت تنادي لكل اهل بلدتها تعرفهم عن المسيح وكيف التقت به وكيف اخبرها كل شيء عن حياتها، وبالأكثر كيف قدم لها رسالة الماء الحي الذي يروي حقًا.
احبائي، هل نفعل مثل السامرية فنلتقي مع الرب يسوع لنتحرر من كل حدود مفروضة علينا؟ هل نلجأ للرب يسوع لندرك بعمق من هو فعلاً، فنقبل من يديه الماء الحي الذي لا نعود نعطش بعده؟ احبائي، ادعوكم اليوم أن نتأمل في هذا اللقاء العميق، لندرك أننا نحن ايضًا يمكن أن نتخطى كل الحدود الإجتماعية والثقافية لنأخذ رسالة الإنجيل المحررة كل من يحتاجها