الإخوة الأحباء، اتأمل معكم اليوم في أحد اللقاءات التي طالما كانت محل إعجاب وتقدير عبر ألفي عام هم تاريخ المسيحية، وهو لقاء الرب يسوع مع المرأة الزانية التي أُمسكت في ذات الفعل.نقرأ هذا النص في يو 8: 1 – 11، حيث نرى امرأة جاء بها بعض الكتبة والفريسيين ليسوع، حيث كان بعض الناس قد القوا القبض عليها وهى تمارس الزنى مع شخص ليس زوجها. جاء القادة اليهود بالمرأة، ويقول النص أنهم أوقفوا في الوسط، بحيث اصبحت كل العيون متجهة إليها. سأل القادة اليهود يسوع حول حكمه على امرأة خاطئة بهذا الوضع، وأكدوا أن عقوبتها طبقًا لشريعة موسى النبي هى الرجم حتى الموت. وانتظروا كيف سيجيبهم يسوع؟
احبائي، اريدكم أن تتخيلوا الموقف، اريدكم أن تتخيلوا حالة الخزي والعار التي كانت تشعر بها هذه المرأة وهى تقف في المنتصف وكافة العيون تنظر إليها. كيف كانت ترى نفسها؟ كيف كانت تتوقع أن يراها اهلها واصدقائها وعشيرتها؟ هذه الموضوعات الحساسة في البيئة الشرقية لا تهاون فيها ولا رحمة فيها.
لكن يسوع هو الوحيد في التاريخ الذي اعتاد أن يرى الحقيقة العميقة في كل إنسان. الرب يسوع يعرف ما يقف خلف فعل الخطية، وقبل أن يطلب من الإنسان التوبة فإنه يؤهله لذلك، ويشفي قلبه الجريح، ويشفي مشاعره المسحوقة، ويرد له كرامته الإنسانية قبل كل شيء. نعم، ينظر يسوع في وجه كل إنسان فيرى صورة الله المخلوق عليها هذا الانسان. هذه هى الحقيقة العميقة في الإنسان انه، مهما كان وضعه، مخلوق على صورة الله.
لهذا تبنى يسوع موقف المرأة، وكان موقف يسوع له جانبين:
اولاً، دافع يسوع عن هذه الإنسانة التي انسحقت كرامتها وشرفها بين قادة اليهود، وواجه القادة قائلاً عبارته الشهيرة: «من كان منكم بلا خطية فيلرمها أولاً بحجر» (يو 8: 7). بذلك، حوّل يسوع مركز ومحور الحوار من الحديث عن امرأة خاطئة إلى جماعة بالكامل خاطئة وتستحق نفس العقاب. حتى الفريسيين والكتبة الذين كانوا خبراء في الشريعة اصبحوا معدودين ضمن الخطاة بهذا الشكل. لهذا تبنى يسوع مبدأه الثابت في خدمته دائمًا: لماذا ترى القشة التي في عينك اخيك ولا ترى الخشبة التي في عينك؟ثانيًا، توجه يسوع نحو هذه المرأة ودعاها أن تنظر كيف أنه لا أحد حكم عليها، وإن كان الخطاة لم يتجرأوا على الحكم عليها، فهل يحكم عليها إله كل رحمة؟ لا، لم يحكم عليها، ولكن مع ذلك دعاها دعوة واضحة ألا تعود لحياة الخطية. نعم، المسيح لا يضحي بالرحمة لصالح الحق، ولكنه ايضًا لا يذبح الحقيقة لأجل تحقيق الرحمة. يسوع تبنى منهج الإثنان معًا. لم يأتي يسوع ليدين العالم الخاطيء، بل ليخلصه، ليشفيه من الخطية.
احبائي، هذه هى الرسالة التي اريد التأكيد عليها معكم اليوم: الرحمة والحق معًا، لا ننحاز لواحدة على حساب الأخرى. ادعوكم أن تقدموا محبة للجميع، وأن تمارسوا اعمال الرحمة مع كل ضعيف ومهمش محتاج لدعمكم. ولكن ايضًا، ادعوكم لمقاومة الشر والخطية، وعدم المساومة على الحق. ليكن هذا شعارنا: لنعلن الحق باسلوب مُحِب دائمًا.